فصل: فصل في القسمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في القسمة:

وهي كما لابن عرفة تصيير مشاع من مملوك مالكين معيناً ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض. اهـ. فقوله: من مملوك يتعلق بمشاع، ومن للبيان أي المشاع الذي هو مملوك لمالكين ولو حذفهما وجعل مملوكاً صفة لمشاع لكفاه، وفي بعض النسخ فأكثر بعد قوله مالكين، وبه يصير الحد جامعاً. وقوله: معيناً مفعول ثان لتصيير، ومفعوله الأول هو المضاف إليه، ولم يأت بمعين للإخراج بل للإيضاح والبيان، لأن قيود الحدود لا يلزم أن تكون كلها للإخراج والاحتراز، فلا يقال احترز به عما إذا صيره غير معين لأنه لا يمكن، وقوله: ولو باختصاص إلخ. ما قبل المبالغة محذوف وتقديره صيره معيناً باختصاص في الرقاب بقرعة أو تراض، بل ولو كان التعيين باختصاص في المنافع فقط مع بقاء الأصل مشاعاً كسكنى دار أو خدمة عبد هذا شهراً وهذا شهراً. اهـ. ولهذا كان الأولى أن يؤخر هذه المبالغة عن قوله بقرعة أو تراض ويصير الحد هكذا تصيير مشاع مملوك لمالكين فأكثر معيناً بقرعة أو تراض، بل ولو باختصاص تصرف فيه. قال ابن عرفة: فيدخل قسم ما على مدين ولو غائباً يعني لقوله في المدونة؛ وإن ترك ديوناً على رجال لم يجز للورثة أن يقسموا الرجال فيصيروا ذمة بذمة، وليقسموا ما على كل واحد. اهـ. وهو معنى قول (خ): وجاز أخذ وارث عرضاً وآخر ديناً إن جاز بيعه إلخ. ويخرج تعيين معتق أحد عبدين أحدهما أو تعيين مشتر أحد ثوبين أحدهما، وتعيين مطلق عدد موصى به من أكثر منه بموت الزائد عليه قبل تعيينه بالقسمة. اهـ. وخروج الثلاثة بقوله: مشاع إلخ. إذ لا شياع في الثلاثة، ويحتمل أن تخرج بقوله بقرعة أو تراض إذ لا قرعة في الثلاثة أيضاً. ثم هي ثلاثة أنواع: قسمة قرعة بعد تعديل وتقويم، وقسمة مراضاة كذلك، وقسمة مراضاة من غير تعديل ولا تقويم، فالقسم الأول هو الذي يحكم به وهو بيع عند مالك، وصوبه اللخمي وقيل: إنها تمييز حق وهو الأصح عند عياض وابن رشد وغيرهما، وعليه عول (خ) إذ قال: وقرعة وهي تمييز حق. وأما القسم الثاني: فبيع على المشهور، وأما الثالث: فبيع بلا خلاف وإلى هذه الأنواع أشار الناظم بقوله:
ثَلاَثٌ الْقِسْمَةُ فِي الأَصُولِ ** وَغَيْرِهَا تَجُوزُ مَعْ تَفْصِيلِ

(ثلاث) خبر عن قوله (القسمة في الأصول وغيرها) يعني من العروض والحيوان ثم أجاب عن سؤال مقدر فكأن قائلاً قال: وما حكمها وهل هي جائزة في الأقسام الثلاثة؟ فقال: (تجوز مع تفصيل) فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ثم بين هذا التفصيل فقال:
فَقِسْمَةُ القُرْعَةِ بالتَّقْوِيمِ ** تَسُوغُ في تَماثُلِ المَقْسُومِ

(فقسمة القرعة بالتقويم) لكل حظ (تسوغ في تماثل المقسوم) أو تقاربه غير أنه إذا تساوت أجزاء المقسوم فلا يحتاج إلى تقويم لأنه يعرف التساوي بدونه، ويقسم حينئذ بالذراع والمساحة أو العدد ونحو ذلك. نعم ما تفاوتت أجزاؤه فلابد فيه من التقويم فتجمع الدور على حدتها، والأقرحة أي الفدادين على حدتها، والأجنات على حدتها، والبقر صغيرها وكبيرها على حدتها، والإبل كذلك على حدتها، والرقيق كذلك على حدته، والحمير صغيرها وكبيرها على حدته، والبغال كذلك. وهكذا، ثم يجزأ المقسوم من كل نوع بالقيمة على أقلهم نصيباً ويقترعون، وليس لهم أن يجعلوا البقر مثلاً في ناحية والعقار أو الإبل التي تعادلها في القيمة في ناحية ويقترعون، لأن القرعة لا يجمع فيها بين جنسين ولا يفي ذلك من الغرر كما يأتي في قوله: كذاك في اختلاف الأجناس إلخ. فإن كان هناك نوع لا يقبل القسمة على أقلهم نصيباً فإنه لا يضم إلى غيره في القرعة، بل يترك حتى يتراضيا على شيء فيه أو يباع ويقسم ثمنه ويشترط في جمع الدور والأقرحة أن تتساوى رغبة ونفاقاً كما في المدونة وعطف النفاق على الرغبة من عطف التفسير كما حققه طفي، فالمراد بالنفاق على هذا كون كل من الدور والفدادين في محل مرغوب فيه، إما عند الشركاء والأجانب، أو عند الشركاء فقط، ويجمع البعل للسيح على المشهور، فإن اختلف في النفاق كما لو كان بعضها مجاوراً للمسجد أو السوق أو نحو ذلك مما يرغب في القرب منه، وغيره في محل آخر لا يرغب فيه لم يجمع ويقسم كل على حدته إن أمكن وإلاَّ بيع، وقسم ثمنه إن لم يتراضيا على شيء، ويشترط أيضاً أن تتقارب أمكنتها في المسافة كميل أو ميلين. اللخمي: فإن كانت الداران في محلة واحدة أو محلتين متقاربتين جمعتا في القرعة، وسواء كانتا في طرف البلد أو وسطه، وإن كانت إحداهما في طرفه والأخرى في وسطه أو في طرفيه لم يجمعا، وإن كانتا في وسطه وتباين ما بين الموضعين كإحداهما في محلة شريفة والأخرى في محلة مرغوب عنها لم يجمعا، وقد يستحق ذلك في البلد الصغير وإن اختلف الدور في الصفة فكان منها الجديد والقديم الرث، وهي ذات عدد قسم الجديد على حدة والقديم الرث على حدة، وإن كانتا دارين جديدة وقديمة جمعتا في القرعة وهي ضرورة، وليس كالأول لأن الأول له فيه مندوحة. اهـ. ولا تجمع أيضاً دور غير غلة للحوانيت ولا لفندق أو حمام، وأما دور الغلة فتجمع للحوانيت كما في الشامل. وهذا معنى قول (خ): وأفرد كل نوع وجمع دور وأقرحة إن تساوت قيمة ورغبة وتقاربت كالميل إلخ.
تنبيه:
إذا كان بعض الفدادين أو الدور طيباً فلا بأس أن يزاد لغير الطيب ضعفه ليقع التعادل ويقترعان. قال في المنتخب، قلت: فإن كانت دور أو داران بين رجلين وهما في الموضع سواء إلا أن البنيان بعضه أطرى من بعض، فجعل القاسم مكان البنيان الجديد ضعفه من البنيان الذي قدرتّ وبلي وعدل ذلك كله بالقيمة، ثم ضرب عليه بالسهم أيجوز هذا؟ قال: نعم وهذا هو وجه القسمة. اهـ. ثم إذا طلب بعض الشركاء أن يقسم كل فدان على حدته ولا يضم إلى غيره مع وجود شروط الضم أو كل دار على حدتها مع وجود شروط الضم أيضاً وأبى غيره من ذلك وقال: لابد من الجمع ليخرج حظه مجتمعاً في فدان أو أفدنة أو دار أو دور متحدة، فإن القول لطالب الضم والجمع ولا مقال لمن قال: أنا لا أخرج من هذه الدار ولا من هذا الفدان ونحو ذلك. وأما الأجنات فإنه يقسم كل صنف منها على حدته أيضاً إن قبل القسمة على أقلهم نصيباً فإن لم يقبلها فإنه يضم حائط التفاح لحائط الرمان ويقسم إن أمكن فإن لم يمكن أيضاً فإنه يباع ويقسم ثمنه وهو معنى قول (خ) وأفرد كل صنف كتفاح إن احتمل، فمفهومه أنه إذا لم يحتمل فإنه يضم إلى غيره، وإن اختلفا رغبة وهو كذلك إذ الشروط المتقدمة في العقار والرباع لا تشترط في أصناف الثمار كما للأجهوري، ويفهم من هذا أن الحائط الذي فيه شجر مختلفة مختلطة يقسم ما فيه بالقرعة بالأحرى، ولا يلتفت إلى ما يصير في حظ أحدهم من الألوان للضرورة، ثم ما تقدم من أنه لا يجمع فيها بين نوعين ولا بين متباعدين في النفاق والمسافة، وإن رضوا هو المشهور لما في ذلك من الغرر والخطر. وروى ابن عبدوس عن أشهب أنه يجوز الجمع برضاهم ولو مع اختلال الشروط، فمن أخذ به لا يعنف عليه، وأما البز فكأنه صنف واحد أطلقه في الكتاب على كل ما يلبس صوفاً كان أو خزاً أو كتاناً أو قطناً أو حريراً، ولو كان بعضه مخيطاً فيقوم كل صنف على حدته وتجمع فيه القرعة ما لم يحمل كل نوع القسم بانفراده، وإلاَّ فلا يجمع على المعتمد (خ): وجمع بز ولو كصوف وحرير إلخ.
وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا فَيُجْبَرُ ** وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرُ

(ومن أبى القسم بها) أي بالقرعة مع وجود شروطها (فيجبر) لمن دعا إليها ويحكم عليه بها (خ): وأجبر لها كل إن انتفع كل إلخ. وبهذا خالفت القرعة قسمة المراضاة فإن المراضاة كانت مع تعديل وتقويم أم لا. لها حكم البيع في العيب والاستحقاق والقيام بالغبن وعدم الجبر ونحو ذلك. وأما القرعة فتخالفها في الجبر المذكور وفي أنها لا تصح إلا فيما تجانس أو تماثل كما مرّ. وفي القيام بالغبن فيها (خ): ونظر في دعوى جور أو غلط وحلف المنكر، فإن تفاحش أو ثبت نقضت كالمراضاة إن أدخلا مقوماً إلخ. وفي أنها لا يجمع فيها بين حظين كما قال: (وجمع حظين بها مستنكر) أي ممنوع وظاهره اتفقت الأنصباء أو اختلفت كانت الورثة ذوي فرض فقط كأم وزوجة وأخوة لأم وأخوات لأب أو ذوي فرض وعصبة أو موصى لهم أو عصبة فقط أو عصبة وموصٍ لهم، وهو كذلك على قول مالك في المدونة: ولا يجمع حظ رجلين بالقسم وإن أراد ذلك الباقون إلا في مثل هذا أي العصبة مع أهل السهم. عياض: تأوله ابن القاسم على أنه لا يجمع سهم اثنين اتفقا أو اختلفا رضيا أو كرها جمعهم سهم أو فرقهم إلا العصبة إذا رضوا بذلك قالوا: وتأويل ابن القاسم هذا خلاف قول مالك وغير مراده، وإنما معنى قول مالك: إذا استوت الأنصباء كثلاثة لكل واحد الثلث، وأما إن اختلفت فكان لقوم الثلث ولآخرين السدس ولآخرين النصف، فإنه يجمع كل واحد منهم في القرعة وإن كرهوا ذلك كله، فإذا خرج نصيب كل فريق قسم على رؤوسهم إن أحبوا قالوا: وهذا قول جميع أصحابنا. اهـ. كلام عياض.
والحاصل أن في أهل السهم الواحد قولين: أحدهما لابن القاسم أنهم لا يجمعون وإن رضوا إلا العصبة إذا كانوا مع زوجة فإنهم يجمعون أولاً برضاهم حتى تخرج الزوجة أو نحوها من ذوي الفروض، ثم يقسمون بينهم. ابن ناجي: ما ذكره في المدونة من أنه لا يجمع حظ اثنين وإن أراد ذلك الباقون هو المشهور إلخ. ابن يونس: وإنما لم يجز سهم رجلين في القسم لأن القسم بالقرعة غرر، وإنما جوز للضرورة إذ كل واحد يحتاج إلى تمييز حظه ولا ضرورة في جمع رجلين فأكثر نصيبهم فمنع منه لاتساع الغرر وخروج الرخصة عن موضعها. اهـ. ونحوه لعبد الحق. وهذا التعليل يدل على أن جمع حظ اثنين لا يجوز ولو رضي العصبة مع نحو كالزوجة فتأمله. ثانيهما: أنهم يجمعون وإن أبوا وهو قول جميع الأصحاب، وحكى عليه ابن رشد الاتفاق فإن قال: أما أهل السهم الواحد كالزوجات والبنات والأخوات والجدات والموصى لهم بالثلث، فلا خلاف أحفظه أنه يجمع حظهم في القسمة شاؤوا أو أبوا لأنهم بمنزلة الواحد. اهـ. ونحوه اللخمي. وبحث ابن ناجي وابن عرفة في الاتفاق المذكور بما نقله عياض من الخلاف المتقدم، فتحصل أن كلاًّ من القولين شهر إذ ما حكى عليه ابن رشد الاتفاق لا أقل أن يكون مشهوراً، وإن جمع العصبة مع كالزوجة معتبر فيه رضاهم بخلاف جمع أهل السهم كالزوجات، فإنه لا يعتبر فيه رضاهن على الثاني وكان حق الناظم حيث درج على الأول أن يستثني الزوجة مع العصبة، وقد جمع (خ) بين القولين على ما قرره به (ز) فأشار إلى الأول بقوله: ولا يجمع بين عاصبين إلا برضاهم مع كزوجة، وإلى الثاني بقوله: كذي سهم أو ورثة والتشبيه في مطلق الجمع لا بقيد الرضا. قال (ز): وانظر ما وجه الجمع برضاهم حيث كان معهم صاحب فرض وعدمه حيث لم يكن معهم ذو فرض، والتعليل بأنه يقل الغرر مع وجود ذي الفرض ويكثر مع فقده لا ينهض. اهـ.
قلت: لا يظهر لمنع الجمع برضاهم وجه لأن العاصبين أو الشريكين إذا رضيا أن يخرجا بالقرعة في محل واحد، ثم يقسمان أو يستمران على الشركة فلا مقال لغيرهما من العصبة لأن الحق في ذلك لهما، ولاسيما حيث كان نصيب اللذين رضيا بالجمع لا يقبل القسمة كثلاثة رجال مثلاً لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس، وكان المقسوم لا يقبل القسمة على ستة ويقبلها مناصفة فرضي صاحب السدس والثلث أن يخرجا بالنصف لأحدهما ثلثاه وللآخر ثلثه ليقل ضرر الشركة أو يخف فهذا لا وجه لمنعه كما لا وجه لمنع الجمع حيث رضيا بجمع نصيبهما في الفرض المذكور مع كون المقسوم يقبل القسمة على ستة. وقد أشارت تبعاً لغيره إلى جواز الجمع مع الرضا مطلقاً. واعتراض الشيخ الرهوني عليه بما تقدم من الغرر لا ينهض لأن الغرر المذكور حاصل حتى مع عدم الجمع، وحاصل في جمع العصبة مع ذي فرض، ولا تخلو القسمة بالقرعة عن غرر إذ لا يدري في أي محل يخرج سهمه، والتعليل بالغرر مبني على أنها بيع، والمشهور أنها تمييز حق والقسمة إنما شرعت لرفع الضرر أو تخفيفه، ولا إشكال في رفعه أو تخفيفه بما ذكر، ولاسيما حيث كان المقسوم لا يقبل القسمة، إلا مع الجمع المذكور، إذ قسمته مع الجمع أولى من تفويته عليهما بالبيع، وأيضاً إذا كان لصاحب السدس والثلث أن يرجعا إلى الشركة بعد القسمة على أقلهم نصيباً فلا يمنعان من بقائهما على الشركة ابتداء والله أعلم. وإنما قلنا التعليل بالغرر مبني على أنها بيع لقول اللخمي: الأصل منع القسم بالقرعة لتضمنها بيع الإنسان ملكه بغير رضاه، والغرر فيما يصير له، وإنما استخف ذلك لعظم الضرر في خروج الملك من يده إن لم يمكثا من القسمة. اهـ..
تنبيه:
قول (خ) أو ورثة إلخ. مثاله: شريكان مات أحدهما عن ورثة فإن الورثة يجمعون في القسم أولاً جبراً فيقسم الملك نصفين نصفه للشريك ونصفه للورثة، ثم يقسم الورثة ثانياً فيما بينهم. هكذا في ابن الحاجب وضيح وابن سلمون وغيرهم، وبه تعلم ما في المعيار عن ابن العواد في رجلين كانت بينهما قرية مشاعة نصفين فمات أحدهما عن ورثة فقال شريكهم: تقسم مناصفة ثم اقسموا نصفكم. وقال الآخرون: بل تقسم على أقل الانصباء. فأجاب هو وابن رشد وأصبغ وابن عمر: لا تكون القسمة إذا تشاح الورثة إلا على أقل الانصباء بالقرعة على ما مضى به العمل في القرعة. اهـ.
كَذَاكَ في اخْتِلاَفٍ الأَجْنَاسِ وَفِي ** مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ المَنْعُ اقْتُفي

(كذاك في اختلاف الأجناس) أي كما منع جمع حظين في القرعة كذلك يمنع فيها جمع الأجناس المختلفة أو الأصناف المختلفة، فلا تجمع الخيل مع البغال أو الرقيق مع العقار كما مرّ في مفهوم قوله: يسوغ في تماثل المقسوم (وفي مكيل) كالقمح (أو موزون) كاللحم والسمن (المنع) مبتدأ (اقتفي) خبره والمجرور يتعلق به، وظاهره أنها تمنع في المكيل والموزون، سواء قسموا بالكيل والوزن أو بالتحري، وفي كل خلاف ووجه المنع في الأول أنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا معنى لدخولها فيه. ابن عرفة عن ابن رشد والباجي: لا تجوز القرعة في شيء مما يكال أو يوزن، وعزاه ابن زرقون لسحنون قال: وكذا عندي ما قسم بالتحري لأن ما يتساوى في الجنس والجودة والقدر لا يحتاج إلى سهم كالدنانير والدراهم. اهـ. ونقله طفي وقال عقبه: نعلم أن المثلى إذا قسم بالكيل أو الوزن لا تدخل القرعة فيه، وزاد ابن زرقون: إذا قسم تحرياً على القول بجوازه. اهـ. أي: على القول بجواز قسم المكيل والموزون بالتحري، وعلى ما لابن رشد والباجي اقتصر صاحب المعين والناظم وهو خلاف ما للخمي من جواز القرعة فيما قسم بالوزن ونحوه لأبي الحسن قائلاً: يقوم من قولها يقسم الحلى بالوزن إلخ. جواز القرعة في الوزيعة إذا استوت في الوزن والقيمة، وكذلك في جميع المدخرات. اهـ. ونقله الشيخ بناني قال: وأما عدم دخولها فيما يقسم بالتحري كما قال ابن زرقون فهو خلاف ما قاله الباجي في قسمة الثمار في رؤوس النخل بالتحري أنها لا تجوز إلا بالقرعة، واستظهره سيدي عيسى بن علال، ومسألة الوزيعة تجري عليه، وذكر عن العبدوسي أنها إن قسمت الوزيعة وزناً فإن شاؤوا اقترعوا أو تركوا على ما للخمي، وإن قسمت تحرياً فهو موضع القرعة. اهـ.
تنبيه:
قال ابن سلمون عن ابن حبيب: أجاز مالك رحمه الله فيما لا يكال من الطعام الذي لا يجوز التفاضل فيه، وإنما يباع وزناً كاللحم والخبز وفيما لا يباع وزناً ولا كيلاً كالبيض أن يقسم بالتحري، وذلك فيما قل لأن التحري يحيط به، فإذا كثر لم يجز اقتسامه بالتحري. اهـ.
قلت: وإذا قسم بالتحري فهل تجب القرعة فيه أو تمنع؟ يجري فيه ما تقدم عن الباجي وابن زرقون، وانظر قسمة الوزيعة بالتحري وما فيها عند قول ناظم العمل: وهكذا وزيعة في اللحم إلخ.
وَلاَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ شَيْئاً وَلاَ ** يُزَادُ في حَظَ لِكَيْ يُعَدَّلاَ

(ولا يزيد بعضهم) أي لا تجوز القرعة على أن يزيد أحدهما للآخر (شيئاً) من الدراهم مثلاً. فإذا كانت قيمة إحدى الدارين مائة وقيمة الأخرى خمسين فلا يجوز أن يقترعا على أن من صارت له ذات الخمسين زاده الآخر خمسة وعشرين، إذ كل منهما لا يدري هل يرجع أو يرجع عليه. وظاهر النظم أنه لا يجوز ذلك، ولو قلت الزيادة كنصف العشر وهو كذلك على المشهور كما في القلشاني. ابن ناجي: وعليه العمل. وقال اللخمي: إن كانت قيمة أحدهما مائة والأخرى تسعين لا بأس أن يقترعا على أن من صارت له ذات المائة أعطى صاحبه خمسة لأن هذا مما لابد منه. اهـ. وصوبه القلشاني واستحسنه ورد اعتراض ابن عرفة عليه وعلى ما للخمي درج (خ) إذ قال عاطفاً على المنع أو فيه تراجع إلا أن يقل. اهـ. وانتصر له ابن رحال وغيره والله أعلم. (و) كذا (لا يزاد) أيضاً من التركة شيء مخالف لجنس المقسوم (في حظ لكي يعدلا) أي الحظان معاً ويصيرا في القسمة، سواء كما لو كانت أحد الدارين بمائة والأخرى بثمانين فيزاد لذات الثمانين عشرون درهماً أو ثوب أو عبد من التركة قيمته عشرون ويقترعان، فالمزيد في الأول من غير التركة وفي هذه منها. ابن سلمون: ولا يجوز أن تصير الشجرة الواحدة من إحدى السهام في سهم الآخر ولا يزيد دراهم أو دنانير في هذه القسمة بوجه ولا غيرهما من الثياب والحيوان.
وَبَيْنَ أَهْلٍ الْحَجْرِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ ** قَسْمٌ بِهَا وَمُدَّعِي الغَبْنَ سُمِعْ

(وبين أهل الحجر) من صبي أو سفيه أو غيرهما. (ليس يمتنع) للوصي والقاضي ومقدمه (قسم بها) أي بالقرعة، بل يجوز ويقضي بها عليه بعد ثبوت ملكيتها للموروث وحيازتها على ما يأتي قريباً (ومدعي الغبن) فيها (سمع) منه ما يدعيه ويكلف بإثباته، فإذا أثبته وكان قد قام بالقرب وحده ابن سهل: بسنة نقضت القسمة وإن لم يثبته أو قام بعد العام حلف المنكر (خ) ونظر في دعوى جور أو غلط وحلف المنكر، فإن تفاحش أو ثبت نقضت وأعيدت أي: ما لم يفت المقسوم ببناء أو هدم أو حوالة سوق في غير العقار إلاَّ وجبت في ذلك القمية يقتسمونها، فإن فات البعض اقتسموا ما لم يفت مع قيمة ما فات. قاله في المتيطية. ابن عرفة: وفوته ببيع لغو ما لم يفت ببناء مبتاعه، فإن فات به رجع ذو النقص على بائعه فإن وجد عديماً رجع على مبتاعه والجور ما كان عن عمد والغلط بخلافه. أبو الحسن: والثبوت يكون بالبينة من أهل المعرفة يقولون في هذه القسمة تغابن وإن لم يبلغ الثلث على ظاهرها. اهـ. بل ولو كان يسيراً. وعزاه عياض للمدونة وأشهب وابن حبيب، وقيل: يعفى عن اليسير كالدينار في العدد الكثير وهو لابن أبي زيد والتفاحش ما ظهر حتى لغير أهل المعرفة. قال (ز): وينبغي أن لا تنقض القسمة فيه ولو قام بالقرب حيث سكت مدة تدل على الرضا، فإن لم يسكت ما يدل على رضاه حلف لاحتمال اطلاعه عليه ورضاه به، فيحلف أنه ما اطلع عليه ولا رضيه إلخ. الباجي: إذا شهدت البينة بالغبن ولم تفسر أو شهدوا به مجملاً فشهادتهم تامة إذا كانوا من أهل المعرفة والبصر لأنها صناعتهم. اهـ. وإنما تمت شهادتهم ولو لم يفسروها لأن الغبن هنا لا يشترط فيه بلوغ الثلث كما مر، لأن كل واحد منهم دخل على قيمة مقدرة وكيل معلوم، فإذا وجد نقصاً فله نقض القسمة بخلاف الغبن في البيع فلابد من بلوغه الثلث كما مرّ في فصله، ولابد من استفسار شهوده إذا أجملوا.
وَهذِهِ القِسْمَةُ حَيْثُ تُسْتَحَقْ ** يَظْهَرُ فيها أنَّها تمييزُ حَقْ

(وهذه القسمة) يعني قسمة القرعة (حيث تستحق) وتجب شرعاً بطلب بعض الشركاء لها (يظهر فيها) عند ابن رشد وعياض وغيرهما (أنها تمييز حق) لا بيع، ولذا يجبر عليها من أباها أن تماثل المقسوم وتجانس كما مرّ وانتفع كل من الآبي والطالب انتفاعاً مجانساً للانتفاع الأول في سكناه ومدخله ومخرجه، فإن لم ينتفع كل فلا جبر. ابن رشد: الذي به العمل عندنا أن الدار لا تقسم حتى يكون لكل واحد من الساحة والبيوت ما ينتفع به ويستتر فيه عن صاحبه، فإن لم تحمل الساحة القسمة واحتملت البيوت قسمت البيوت وأقرت الساحة بينهم يرتفقون بها كالفناء إلى أن يتفقوا على قسمتها. اهـ. وروي عن مالك أن قسمة القرعة بيع، وصوبه اللخمي وينبني على الخلاف لو ورث ثلاثة أخوة ثلاثة أعبد فاقتسموهم لكل واحد عبد فمات عبد أحدهم واستحق عبد الآخر، فعلى أنها تمييز حق لا يرجع المستحق من يده على من مات عبده بشيء، وإنما يرجع على الذي بقي عنده العبد فيكون له ثلثه ولمن بيده العبد ثلثاه، وعلى أنها بيع يرجع المستحق من يده على الذي مات عبده بثلث قيمته وينبني عليه أيضاً قسم الورثة أضحية موروثهم، وقسم الثمر في رؤوس الشجر فعلى أنها تمييز لا جائحة وعلى أنها بيع فيه الجائحة إلى غير ذلك. ولما فرغ من الكلام على قسمة القرعة شرع في الكلام على قسمة المراضاة وهي نوعان أشار لأولهما بقوله:
وَقِسْمَةُ الوِفاق والتَّسْلِيمِ ** لَكِنْ مَعَ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ

(وقسمة الوفاق والتسليم) أي توافق الشركاء عليها وسلم كل منهم لصاحبه ما أخذه من غير قرعة (لكن مع التعديل) لأجزاء المقسوم (والتقويم) المحصل لذلك التعديل إذ لا يحصل التعديل إلا به، وظاهره سواء أدخلوا مقوماً يقوم لهم أو قوموا لأنفسهم وهو كذلك فقوله: قسمة مبتدأ خبره.
جَمْعٌ لِحظَيْنِ بِهَا لا يُتَّقَى ** وتَشْمَلُ المَقْسُومَ كُلاًّ مُطْلَقا

(جمع لحظين بها لا يتقى) أي لا يمنع لأنه برضاهما (وتشمل المقسوم كلاً مطلقا) اتفق الجنس أو اختلف، فيجوز أن يتراضيا على أن يأخذ هذا عبداً قيمته عشرة، وهذا ثوباً قيمته كذلك أو فرساً، وكذا إن أخذ هذا قمحاً والآخر قطنية مماثلة له في القيمة فإن اتحد جنس الطعام المقسوم فلابد من المماثلة كيلاً أو وزناً وإلا امتنع كما قال:
في غَيْرٍ ما مِنَ الطَّعامِ الْمُمْتَنِعْ ** فِيهِ تَفَاضُلٌ وَفِيهِ تَمْتَنِعْ

(في غير ما) هو (من الطعام الممتنع فيه تفاضل) وهو الجنس الواحد المقتات المدخر كوسق من شعير قوم بستة ونصف وسق من قمح قوم بستة أيضاً، وتوافقا على أن يأخذ أحدهما القمح والآخر الشعير. (ففيه تمتنع) القسمة للتفاضل بين الطعامين لأن قسمة المراضاة بيع فيمتنع فيها ما يمتنع فيه، وكذا النساء فلا يجوز أن يأخذ أحدهما وسقاً من قمح الآن ليأخذ الآخر مثله من جنسه أو من غير جنسه غداً، فإن كان غير مقتات أو غير مدخر جاز التفاضل وامتنع النساء، وظاهر النظم أن التفاضل ممتنع فيما اتحد جنسه ولو تمحض الفضل البين لأحد الجانبين، والذي في (خ) جوازه مع تبين الفضل إذ قال عاطفاً على الجائز: وفي قفيز أخذ أحدهما ثلثيه والآخر ثلثه إلى أن قال: وفي كثلاثين قفيزاً وثلاثين درهماً أخذ أحدهما عشرة دراهم وعشرين قفيزاً. يعني: ويأخذ الآخر ما بقي، وإنما جاز ذلك لأن أحدهما ترك للآخر فضلاً وهو محض معروف في المسألتين، وليس ذلك في الثانية من بيع طعام ودراهم بمثلهما، بل كأنهما قسما الدراهم وحدها على التفاوت والمكيل وحده كذلك، فترجع الثانية للأولى، وظاهره أن ذلك جائز ولو بالتراخي. وقد صرح بذلك اللخمي قال: لأن ذلك معروف فهو كمن أخذ مائة دينار قرضاً ليردها بعد سنة وليس ذلك على وجه المبايعة حتى يمنع التراخي، ونقله أبو الحسن وغيره مسلماً، وعليه فيجوز ما يقع اليوم بين المتزارعين أن يحمل أحدهما ما تصفى من الزرع لمنزله حتى ليوم آخر يحمل شريكه ما تصفى بعد ذلك إلى داره، وسيأتي في الكتابة أيضاً أن لأحد الشريكين فيها أن يأخذ النجم الأول بإذن شريكه حتى يأخذ الشريك النجم الآخر. قال (ق): وكذا في قسم الزيتون ونحوه حباً يأخذ أحدهما زيادة عن صاحبه، ثم يعاوضه في اليوم الذي بعده، وكذا الحراثون يزرع أحدهما يوماً أو يومين ويزرع الآخر مثل ذلك بعده والله أعلم.
تنبيه:
ولا يجوز قسم اللبن في ضروع ولو بالمراضاة فلا يجوز للوارثين مثلاً أن يحلب أحدهما بقرة والآخر بقرة أو شاة لأنه مخاطرة وقمار وبيع لبن بلبن من غير كيل إلا لفضل بين، فيجوز قسمه حينئذ بالتراضي كما مر في القفيز، وفيه الجواز في المدونة مع الفضل البين بكونه على وجه المعروف، وكونه إذا هلك ما بيده من الغنم رجع فيما بيد صاحبه قال فيها: لأن أحدهما ترك للآخر حينئذ فضلاً بغير معنى القسم. اهـ. قال أبو الحسن: يظهر من هذا التعليل أنه حيث كان يترك أحدهما للآخر فضلاً بغير معنى القسم أن ذلك لا يمتنع في جميع ما يحرم فيه التفاضل، وهذا تنبيه على العلة كقوله تعالى: {فإنه رجس أو فسقاً} (الأنعام: 145) وذكر الفقيه راشد عن شيخه أبي محمد صالح أنه قال: الأدلة التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر: نص الكتاب وظاهر الكتاب وهو العموم، ودليل الكتاب وهو مفهوم المخالفة، ومفهوم الكتاب وهو باب آخر، وتنبيه الكتاب وهو التنبيه على العلة كقوله تعالى: {فإنه رجس أو فسقاً}. ومن السنة أيضاً مثل هذه الخمسة، فهذه عشرة. والحادي عشر الإجماع، والثاني عشر والثالث عشر عمل أهل المدينة، والرابع عشر قول الصحابي، والخامس عشر الاستحسان، والسادس عشر الحكم بسد الذرائع. واختلف قوله في السابع عشر وهو مراعاة الخلاف فمرة يراعيه ومرة لا يراعيه. أبو الحسن: ومن ذلك الاستصحاب. اهـ.
وَأُعْمِلَتْ حتَّى عَلَى المَحْجُورِ ** حَيْثُ بدا السَّدَادُ في المَشْهُورِ

(وأعملت) هي أي قسمة الوفاق والمراضاة ولو في الأجناس المختلفة والأصناف المتباينة والبعيدة بعضها من بعض على الناس كلهم (حتى على المحجور) منهم كصبي وسفيه ومجنون ومفلس (حيث بدا) ظهر (السداد) أي وثبت بالبينة (في المشهور) المعمول به خلافاً لابن الهندي في قوله: بعدم جواز القسم بها على المحجور ونحوه في العتبية. قال الباجي: وإجازته في المدونة شراء الوصي لبعض ما يليه من بعض. يرد قول ابن الهندي. اهـ. ومحل جوازها على المحجور إذا لم تكن بينه وبين حاجره وإلاَّ فلا يجوز، ولو ظهر السداد على الراجح المعمول به من أنه لابد من الرفع للإمام فيقدم من يقسم بينه وبين محاجره، فإن لم يرفع للإمام فسخت لأنه باع مال محجوره من نفسه، وانظر ما يأتي عند قول الناظم: فإن يكن مشاركاً لمن حجر إلخ. نعم إذا كان مع الحاجر والأيتام شريك أجنبي، فإنه يجوز له أن يقاسم الأجنبي ويترك نصيبه ونصيب الأيتام على الإشاعة معهم كما يأتي للناظم أيضاً: فإذا أراد أن يقاسمهم رفع إلى السلطان كما مر.
تنبيه:
إذا رفع الوصي أو الورثة الأمر إلى الإمام ليقسم بينهم فإنه لا يقسم بينهم حتى يثبتوا أصل الملك للموروث واستمراره وحيازته والموت والإراثة كما لابن فرحون وغيره وذكر في المعيار عن الإمام السنوسي أن العمل عليه، ويؤيده كما في الارتفاق لابن رحال ما قالوه من إن القاضي لا يمكن المرتهن من بيع الرهن حتى يثبت ملكيته للراهن، وأنه لا يمكن الغرماء من بيع مال المفلس حتى يثبتوا ملكيته له، وأنه لا يبيع دار الغائب لنفقة زوجته حتى تثبت ملكيتها له كما قال (خ) وبيعت داره بعد ثبوت ملكه إلخ. وقال في الحجر أيضاً: وباع بثبوت يتمه وملكه لما بيع إلخ. والقسمة بالمراضاة بيع فهذا كله يشهد لصحة العمل الذي في المعيار، ولكن قال ابن عبد البر كما في المتيطية: إن قسم القاضي بينهم دون أن يثبتوا أصل الملك، فليذكر في كتاب القسمة أن ذلك إنما كان بإقرارهم. اهـ. واقتصر عليه (ق) آخر باب القسمة فدل ذلك على أن ثبوت ملكية الموروث شرط كمال فقط، ويؤيده ما مر عن الشامل وابن عبد السلام في فصل البيع على الغائب، إذ الأصل فيمن باع شيئاً أنه له وأنه يملكه، وكونه تعدى عليه وكونه لغيره خلاف الأصل فقسمة القاضي بين الورثة أو بيعه على الغائب ونحوه دون ثبوت أصل الملك نافذ حتى يثبت أن الملك لغير الغائب والموروث، ولا ينقض البيع والقسم بمجرد احتمال كون المقسوم والمبيع للغير لأنه احتمال ضعيف كما هو ظاهر والله أعلم.
وما مَزيدُ العَيْنِ بالمَحْظُورِ ** ولا سِواهُ هَبْهُ بالتَّأَخِيرِ

(وما) نافية (مزيد) أي زيادة (العين بالمحظور) أي الممنوع (ولا) زيادة (سواه) أي العين كالعرض (هبة) أي ذلك المزيد (بالتأخير) كدار بمائة وعبد بمائتين فتراضيا على أن يأخذ أحدهما العبد ويزيد للآخر خمسين أو ثوباً نقداً أو إلى أجل.
وَمَنْ أبى القَسْمَ بِهَا لا يُجْبَرُ ** وقائِمٌ بالْغَبْنِ فيها يُعْذَرُ

(ومن أبى القسم بها لا يجبر) لأنها بيع على المشهور ولا يجبر أحد على بيع شيئه (وقائم بالغبن فيها يعذر) ويسمع قوله لأنهما لما دخلا على قيمة مقدرة سمعت دعواه الغبن، فإن أثبته عمل بمقتضاه وإلا حلف المنكر كما تقدم في القرعة، وظاهره أن الغبن هنا ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً ولو لم يبلغ الثلث، وهو كذلك كما مر في القرعة لأن القائم لم يتسبب في الغبن، بل المتسبب فيه هو المقوم الأجنبي أو كل الشركاء إن قوموا لأنفسهم، فلذا كان يقوم به ولو لم يبلغ الثلث، وهذا إذا قام بالقرب فإن طال كالسنة فلا قيام له كما يأتي له في قوله: والغبن من يقوم فيه بعد إلخ. ثم أشار إلى النوع الثاني من نوعي المراضاة فقال:
وقِسْمَةُ الرِّضا والاتِّفاقِ ** مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ عَلَى الإطْلاَقِ

(وقسمة الرضا والاتفاق من غير تعديل) ولا تقويم (على الإطلاق).
كَقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّراضِي ** فِيما عَدَا الغَبْنَ مِنَ الأَغْرَاضِ

(كقسمة التعديل والتراضي) فقوله: وقسمة الرضا مبتدأ وكقسمة التعديل خبره، وعلى الإطلاق حال من الضمير المستقر في الخبر، ومعناه أن قسمة الرضا من غير تعديل ولا تقويم كائنة كقسمة الرضا بتعديل وتقويم على الإطلاق أي في جميع أحكامها، فتجوز في الجنس الواحد والمختلف والمكيل والموزون، ويجمع فيها بين حظين ويحرم التفاضل في المقتات المدخر من طعامها على التفصيل المتقدم، ولا يمنع فيها زيادة العين أو غيرها إلا أنه لا قيام فيها بالغبن كما قال: (فيما عدا الغبن من الأغراض) بالغين المعجمة أي فإنه لا قيام به فيها لأنه لم يأخذ ما خرج به على قيمة مقدرة ولا على ذراع معلوم، ولا على أنه مماثل لما خرج عنه فهي كبيع المساومة باتفاق وهو لا قيام فيه بالغبن ولو بلغ الثلث على المشهور، وأما على ما مر للناظم في فصل الغبن فيقام به فيها لأن الحكم عليها بأنها كالبيع يوجب لها حكمه وقد تقدم أنه يقام فيه بالغبن بالشروط المتقدمة على المعمول به، وإن كان خلاف المشهور فكان على الناظم حيث درج فيما تقدم على أن البيع يقام فيه بالغبن أن لا يستثنيه هاهنا، وقد يقال: إنما استثنى غبن القسمة وهو النقص عن القيمة نقصاً بيناً أي: فالنقص عن القيمة الذي لم يبلغ الثلث لا يقام به في هذا النوع، بخلاف النوعين قبله، فإنه يقام به فيهما، وأما ما بلغ الثلث فإنه يقام به في هذه وفيما قبلها، وهذا هو الذي يجب حمل الناظم عليه والله أعلم. ومحل عدم قيامه به في هذه مع نقصه عن الثلث إذا لم يكن العاقد للقسمة وكيلاً وإلاَّ فللموكل القيام به إذا ثبت كما لابن زرب وغيره، وهو الموافق لقول (خ) في الوكالة: وتعين نقد البلد وثمن المثل والأخير إلخ. وذلك لأن النائب عن غيره لا يمضي من فعله إلا ما هو سداد ومصلحة.
وَمُدْعٍ غَبْناً بها أَوْ غَلَطَا ** مُكَلَّفٌ إنْ رَامَ نَقْضاً شَططا

(و) إذا لم يكن له القيام بالغبن ف (مدع غبناً بها) أي بقسمة المراضاة بلا تعديل (أو) مدع (غلطا) وهو ما صدر من غير قصد (مكلف) بكسر اللام المشددة خبر عن قوله مدع (إن رام) أي قصد (نقضاً) للقسمة (شططا) مفعول ثان بمكلف، والمفعول الأول محذوف، والتقدير مكلف الحاكم شططاً أي ظلماً وجوراً إن رام نقضها لكون دعوى الغلط والغبن فيها لا تسمع، وهذا البيت تصريح بمفهوم قوله: فيما عدا الغبن.
وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ مُطْلَقاً عَلَى ** مَحْجُورِهِ مَعْ غَيْرِهِ لَنْ تُحْظَلاَ

(وقسمة الوصي) مبتدأ (مطلقاً) حال من الضمير في تحظلا (على محجور مع غيره) متعلقان بقسمة، والضمير المجرور بغير راجع للوصي (لن تحظلا) خبر عن المبتدأ، والمعنى أن المحجور إذا كان مشاركاً لغير حاجره فإن قسمة حاجره عليه لا تحظل ولا تمنع مطلقاً كانت بالقرعة أو بالمراضاة بنوعيها، لكن مع ظهور السداد ومصادفة الصواب لأن الوصي حينئذ نائب عن محجوره لا يمضي من فعله إلا ما كان سداداً كما مر (خ) وقسم عن صغير أب أو وصي وملتقط كقاض عن غائب إلخ. وإنما عبر بالإطلاق الشامل لأنواع القسمة الثلاثة مع تقديم حكم القسمة عليه بالقرعة، أو بالمراضاة مع تعديل لأجل قوله:
فَإنْ يَكُنْ مُشَارِكَاً لِمَنْ حَجَرْ ** فِي قِسْمَةٍ فَمَنْعُهُ مِنْهَا اشْتَهَرْ

(فإن يكن) الوصي أو الأب (مشاركاً لمن حجر) سواء شاركهما أجنبي أيضاً أم لا. (في قسمة) أي في مقسوم من إطلاق المصدر وإرادة المفعول أي كان مشاركاً له في الشيء المقسوم فقاسم عن نفسه ومحجوره من غير رفع للحاكم، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي في ذي قسمة (فمنعه) أي الوصي (منها) أي من القسمة مع محجوره بأنواعها الثلاثة كما هو ظاهره (اشتهر) لأنه من بيع الوصي مال محجوره من نفسه، وهو لا يجوز وإن وافق السداد (خ): في باب الوكالة عاطفاً على الممنوع وبيعه من نفسه ومحجوره إلخ. وقيل: يجوز إن ظهر السداد ولم يجاب، والخلاف مبني على أن المخاطب هل يدخل تحت الخطاب أم لا؟ التوضيح. والظاهر وإن قلنا إنه يدخل فلا يمضي للتهمة ولا يقال تبين انتفاؤها بالبيع بالقيمة فأكثر لأنا نقول: يحتمل أنه اشتراها بذلك لما رأى أن من الناس من يرغب في شرائها بأكثر. اهـ. وعلى هذا عول في الشامل في باب الوكالة وأنه إذا باع من نفسه فلموكله ومحجوره الخيار، وهو الموافق للعمل الذي يأتي عن المتيطية في البيتين بعده، ولما تقدم في فصل مسائل من أحكام البيع من أن بيع الأب مال ولده من نفسه محمول على غير السداد، وإذا كان هذا في الأب فأحرى في الوصي، وعلى القول الثاني وهو الجواز إن لم يجاب عول (خ) في باب الوصية حيث قال: ولا اشتراه من التركة وإلاَّ تعقب بالنظر فيمضي الأصلح لليتيم ويرد غيره ونحوه للقرطبي في تفسيره وابن العربي في أحكامه قالا: مشهور مذهب مالك الجواز إن لم يحاب، وعليه اقتصر آخر الكراس الأول من أنكحة المعيار، وبه أفتى المجاصي لما سئل عن وصي قاسمت عن نفسها ومحجورها مع اشتراك وأخرجت للمحجور نصيبه على حدة ولها نصيبها على حدة، ثم قام المحجور بعد تفويت بعض الاشتراك نصيبه بالبيع فقال الوصي: لا يقاسم محجوره، فإن وقع ونزل تعقب بالنظر، فإن كان سداداً مضى وإلاَّ نقض قاله ابن ناجي في شرح المدونة، فإن فات بيد المشتري رجع عليه بتمام القيمة أو على البائع وإن تعذر الرجوع على من ذكر كان الرجوع على الوصي العالم لتفريطه قاله أبو إبراهيم الأعرج، وكذلك إن طالت عمارة المشتري فلا يتعرض له قاله الأستاذ ابن لب، ومثله لابن سهل قال: ومنه استيلاد الأمة، وهذا حكم البيع ومثله قسمة المراضاة بوجهيها لأنها بيع من البيوع. اهـ. وفي البرزلي عن ابن أبي زيد في الأب يريد أن يقاسم ولده الصغير قال: ينبغي له الرفع إلى القاضي ليجعل له من يلي القسم مع الأب، فإن قاسم لنفسه مضى إلا أن تظهر محاباة بينة فللولد القيام إن بلغ. اهـ. ثم استثنى من عموم قوله: مشاركاً لمن حجر لأنه شامل لثلاث صور: لما إذا شاركهما أجنبي، وخرج كل بنصيبه على حدة، ولما إذا لم يشاركهما أحد، ولما إذا شاركهما غيرهما وخرج نصيب المحجور مشاعاً مع وصيه فأخرج هذه الأخيرة من ذلك العموم بقوله:
إلاَّ إَذَا أَخْرَجَهُ مُشاعا ** مَعْ حَظِّهِ قَصْداً فَلاَ امْتِنَاعَا

(إلا إذا أخرجه مشاعا مع حظه قصداً فلا امتناعا) لأنه لا تلحقه تهمة حينئذ، ومحل المنع في الصورتين الأوليين إذا تولى الوصي القسمة بنفسه ولم يرفع للحاكم كما مرّ، فإن رفع الأمر إليه وقدم من يقاسمه فلا منع كما قال:
وَيَقْسِمُ القَاضِي عَلَى المَحْجُورِ مَعْ ** وَصِيِّهِ عِنْدَ اقْتِفَاءِ مَنْ مَنَعْ

(ويقسم القاضي على المحجور مع وصيه عند اقتفاء) اتباع (من منع) قسمه معه من الفقهاء كابن أبي زمنين وغيره وهو الذي به القضاء وعليه العمل قاله في المعيار عن الإمام السنوسي، وأصله في المتيطية، ونص اختصارها: فإن كان الوصي شريكاً للأيتام نظرت فإن كان معهم غيرهم جاز له أن يقاسم عنه وعنهم الأجنبيين، ويكون نصيبه ونصيبهم على الإشاعة ونصيب الأجنبي منفرداً. وقال ابن أبي زمنين وغيره: لا يجوز ذلك ويفسخ، وإن كان سداداً فإن الوصي شريكاً لهم وحده فقال ابن أبي زمنين: لا يجوز أن يقسم هو لهم وليرفع للإمام فيقدم من يقاسم عن الأيتام، فإذا تميز حظهم رجع فيه النظر للوصي، وقيل: يجوز مقاسمة الوصي له ولهم إذا ضمن الشهود معرفة السداد وهو ظاهر قول مالك في العتيبة قال بعض الموثقين: والأول أولى وبه القضاء. اهـ. وإذا كان العمل والقضاء بقول ابن أبي زمنين، وهو يقول بوجوب الفسخ فيما إذا قاسم عنه وعنهم الأجنبيين فأحرى أن يقول بالفسخ فيما إذا كان الوصي شريكاً لهم وحده، فيكون المعمول به من الخلاف المتقدم قريباً فوق هذين البيتين هو الفسخ والله أعلم.
كَذَا لَهُ القَسْمُ عَلى الصِّغَارِ ** وَغَائِبٍ مُنْقَطِع الأخْبَارِ

(كذا) أي كما يجب أن يقسم القاضي على المحجور مع وصيه كذلك يجب (له القسم على الصغار) الذين لا أب لهم ولا وصي وطلب شركاؤهم القسمة، ومقدم القاضي كهو فيقاسم عن الأيتام على الأجنبيين أو الأكابر من إخوانهم بمشورة القاضي لأن المقدم لا يبيع ربع اليتيم إلا بمشورة القاضي على المعمول به والقسمة بيع، وهذا إذا كان يمكنه الرفع إليه ومشاورته ولم يأمره بالقسمة، ولم يثبت عند القاضي ما يوجب القسم وإلاَّ فقسمته ماضية ولو لم يشاوره قاله في نوازل الصلح من المعيار (و) كذا له القسم على (غائب منقطع الأخبار) حيث طلب شركاؤه ذلك فإن علم خبره فكذلك إن بعدت غيبته وإلا انتظر، والظاهر أن القريبة ما كانت على ثلاثة والبعيدة ما فوقها كما يشمله قول (خ) في القضاء: والعشرة أيام أو اليومان مع الخوف يقضي عليه معها في غير استحقاق العقار إلخ. والقسمة من القضاء عليه في غير الاستحقاق المذكور.
وَحَيْثُ كانَ القَسْمُ للْقُضَاةِ ** فَبَعْدَ إثْباتٍ لِمُوجِبَاتِ

(وحيث كان القسم للقضاة) لكون المقسوم مشتركاً بين الوصي ومحجوره، أو بين غائب وغيره، أو بين أجنبي ومحجور لا وصي له، أو بين ورثة فيهم رشيد ومحجور، أو بين ورثة رشداء وطلبوا منه القسمة بينهم (ف) إن القضاة لا يقسمون إلا (بعد إثبات لموجبات) من ثبوت الشركة والحجر والغيبة وبعدها وإهمال اليتيم وطلب الشريك القسمة وملكية الشيء المقسوم كما في ابن سلمون وغيره، فإن قسم قبل إثباتها فقد تقدم عن السيوري أن بيعه ينقض والقسمة بيع، ولكن هذا في غير ثبوت الملك لما تقدم عند قوله: وأعملت حتى على المحجور إلخ. من إثبات الملكية لا ينقض القسم بعد إثباته فراجعه هناك، وراجع ما تقدم في البيع على الغائب، وفي فصل مسائل من أحكام البيع عند قوله: وبيع من وصي للمحجور إلخ.
تنبيهان:
الأول: في جواز قسم الحاضن كأخ أو عم أو أجنبي عن محضونه أربعة أقوال: أحدها: أنه كالوصي على كل حال فيبيع ويقسم وهي رواية ابن غانم وابن الماجشون عن مالك، وهذه الرواية جيدة لأهل البوادي لإهمالهم الإيصاء، وبها العمل كما مر في بيع الحاضن. وثانيها: أنه كالأجنبي وهو مذهبها. وثالثها: لابن وهب كالوصي إن كان أماً أو من الأجداد والجدات، ورابعها: لابن كنانة كالوصي إن كان من الأجداد والجدات والأخوة لا من غيرهم من القرابات.
الثاني: قال في المدونة: ولا يجوز قسم الأب عن ابنه الكبير وإن غاب ولا الكافر عن ابنته المسلمة البكر كما لا يزوجها، ولا يجوز قسم الزوج لزوجته البكر ولا قبض مالها، والأب أو وصيه أولى بذلك وإن دخلت حتى يؤنس رشدها بعد الدخول فيدفع إليها حينئذ مالها، وليس للزوج قبض مالها قبل الدخول ولا بعده، وإن مات الأب ولم يوص لم يجز للزوج أن يقسم لها إلا بأمر القاضي. اهـ. ويقيد بما تقدم في الوكالة من قوله: والزوج للزوجة كالموكل إلخ.
وَيُتْرَكُ القَسْمُ عَلَى الأصاغِرِ ** لحال رَشْدٍ أَوْ لِوَجْهٍ ظَاهِرِ

(ويترك القسم على الأصاغر لحال رشد) أي إلى أن يرشدوا (أو لوجه ظاهر) كأن يكون شريكهم ذا سطوة فلا ينصفهم من حقهم فيترك القسم بينه وبينهم حيث لم يطلبه الشريك إلى أن يملكوا أنفسهم. ابن سلمون: وإذا كانت الأملاك بين الأصاغر وأربابها كلهم محاجير فإنها تترك إلى أن يرشدوا فيقتسمونها، أو يرشد أحدهم فيطلب ذلك إلا أن يثبت في ذلك النظر لهم، فحينئذ يقسم بينهم فإن كان عليهم وصي فبادر إليها فقسمها، فقد أجاز ذلك سحنون والأولى ما تقدم. اهـ.
وَمَنْ دَعَا لِبَيْعِ مَا لاَ يَنْقَسِمْ ** لَمْ يُسْمَع إلاَّ حَيْثُ إضْرارٌ حُتِمْ

(ومن دعا) من الشركاء (لبيع ما لا ينقسم) أصلاً كالرقيق الواحد والفرس الواحد أو ينقسم بفساد كالياقوتة الواحدة والخف الواحد والثوب الواحد أو دار أو بستان لا يقسمان على أقل الحظوظ ولا يصير لأصحاب الحظ القليل ما ينتفع به. (لم يسمع) قوله: ولا يجاب إلى ما ادعاه ويبيع نصيبه مفرداً إن شاء حيث لم يتحد مدخله مع شريكه ولصاحبه الشفعة إن كان من الأصول لا من العروض كما مرّ في الشفعة فقوله: ما لا ينقسم شامل لجميع ما مرّ، وسواء كان ما لا ينقسم على أقل الحظوظ من الرباع المتخذة للغلة أو المتخذة للانتفاع بها بعينها، ثم أخرج هذا الثاني من العموم المذكور بقوله: (إلا حيث إضرار) في دوام اشتراكه (حتم) لكونه متخذاً للانتفاع به بعينه.
مِثْلُ اشْتِراكِ حائِطٍ أَوْ دَارِ ** لا كالرَّحَى وَالْفُرْنُ في المُخْتَارِ

(مثل اشتراك حائط) أي بستان (أو دار) متخذين للانتفاع بهما بعينهما فإنه يجاب من دعا إلى بيعه حيث اتحد مدخله مع شريكه، وسواء كان المدعي للبيع ذا الحظ الكثير أو القليل، ومراده بمثلهما كل ما يتخذ للانتفاع به بعينه فيدخل فيه الخف والعبد والثوب والحمام المتخذ للانتفاع به بعينه ونحو ذلك، وإنما مثل بالحائط والدار لما فيهما من الخلاف لأن مالكاً رحمه الله يرى القسمة فيهما ولو لم يصر لصاحب الحظ القليل ما ينتفع به كما في ابن سلمون، ومذهب ابن القاسم أنه لا يجوز قسمها إلا إذا صار لكل منهما ما ينتفع به وهو المشهور وبه القضاء (خ): وأجبر لها أي للقرعة كل أن انتفع كل إلخ. اللخمي: ولو قيل يمنع قسم الحمام ونحوه ولو رضيا كما يمنع قسم اللؤلؤة لكان وجهاً. (لا) ما كان (كالرحى والفرن) ونحوهما مما لا يقبل القسمة، وهو متخذ للغلة فقط لا للانتفاع به بعينه، فإنه لا يجبر شريكه على البيع معه، ولو اتحد مدخلهما وهو مثال لما قبل الاستثناء وما قبله مثال لما بعده (في) القول (المختار) عند ابن رشد وعلى التفريق بين رباع الغلة فلا يجبر، ولو اتحد مدخلهما بخلاف غيرها فيجبر حيث اتحد المدخل عول (خ) إذ قال: وأجبر البيع إن نقصت حصة شريكه مفردة لا كربع غلة أو اشترى بعضاً إلخ. والمذهب وهو الذي عليه العمل الإطلاق، وأنه لا فرق بين رباع الغلة وغيرها كما قاله ابن عبد السلام واليزناسي وابن عرفة وغيرهم، وهذه هي مسألة الصفقة وصورتها؛ أن تكون دار مثلاً أو عبد بين رجلين فأكثر فيعمد أحدهم إلى ذلك الملك ويبيع جميعه بغير إذنهم فيثبت الخيار لشركائه بين أن يكملوا البيع أو يضموا لأنفسهم ويدفعوا للبائع مناب حصته من الثمن ولها شروط. أحدها: أن يكون الشيء لا يقبل القسمة، وأما إن كان يقبلها فمن دعا إلى قسمه أجبر له الذي يريد بيعه كما في المدونة، وهذا الشرط هو معنى قول الناظم: ومن دعا لبيع ما لا ينقسم. ثانيها: أن يكون ذلك الشيء مما يتضرر بالاشتراك فيه لكونه متخذاً للانتفاع به بعينه كالدار والبستان لا أن كان متخذاً للانتفاع بغلته فقط كالفرن والرحى وهو معنى قول الناظم: مثل حائط أو دار إلخ. وهذا على ما لابن رشد، ورده ابن عرفة بأن المعروف عادة أن شراء الجملة أكثر ثمناً في رباع الغلة وغيرها إلا أن يكون ذلك ببلاد الأندلس وإن كان فهو نادر. اهـ.
قلت: تأمل قوله: فهو نادر هل هو نادر بالنسبة إلى غيرهم أو فيما هو بينهم؟ فإن كان الأول فلا يجوز لغوه بالنسبة إليهم، وإن كان الثاني فلغوه ظاهر، لكن ابن رشد إنما بنى ذلك على عاداتهم فلا يحسن الاعتراض عليه، فحق ابن عرفة أن يسقط قوله: وإن كان فهو نادر إلخ. ثالثها: أن يتحد مدخلهما بأن يشترياه دفعة واحدة أو يرثاه كذلك، أما إن كان كل منهما اشترى حصته مفردة أو ورثها كذلك فلا يجبر أحدهما للآخر، وهو معنى قول (خ) أو اشترى بعضاً. رابعها: أن ينقص ثمن حصة مريد البيع إذا بيعت وحدها عن ثمن الجملة وإلاَّ فلا جبر. خامسها: أن لا يلتزم الممتنع من البيع أداء النقص الحاصل لشريكه. سادسها: أن لا يكون المشترك فيه للتجارة وإلاَّ فلا يجبر على بيعه كما لا يجبر على قسمه على ما للخمي قائلاً: لأنه على الشركة دخل فيه حتى يباع جملة، ورده ابن عرفة بأن دخوله على بيعه جملة مؤكد لقبول دعواه بيعه جملة، فكيف يصح قوله: لا يجبر على البيع من أباه وإنما يصح اعتبار ما دخلا عليه من شرائه للتجر إذا اختلفا في تعجيل بيعه وتأخيره؟ والصواب في ذلك اعتبار معتاد وقت بيع السلعة حسبما ذكره في القراض من المدونة. سابعها: أن لا يبعض طالب البيع حصته بأن يبيع بعضها ثم يريد أن يصفق بالبعض الباقي، فإنه لا يجاب. ثامنها: أن لا يرضى البائع ببيع حصته مفردة وفي عد هذا من الشروط شيء، لأن الكلام والموضوع أنه طلب إجمال البيع، فهذا هو موضوع الشروط. تاسعها: أن يكون المشتري أجنبياً غير شريك، وإلاَّ فهو تبعيض على نزاع فيه بيناه في حاشية اللامية. وهذا كله على ما للأقدمين، وأما على ما به عمل المتأخرين فإنه لا يعتبر من هذه الشروط إلا اتحاد المدخل، وعليه فلو قال الناظم:
ومن دعا لبيع ما لا ينقسم ** فغيره بجبره قد يحكم

إن كان مدخل له قد اتحد ** وحيث لا فجبره له يرد

لوفى بالمراد، ومع ذلك يقال: لا مفهوم لقوله ما لا ينقسم بل ما يقبل القسمة كذلك على ما به العمل كما قال ناظمه:
في قابل القسم وما لم يقبل ** لا تشترط إلا اتحاد المدخل

ثم إن وجد هذا الشرط على ما به العمل أو وجدت كلها على مقابله، فلمريد البيع أن يبيع الجميع من غير رفع للحاكم على ما به العمل، وإن لم يرض شريكه بذلك، لكن إذا تم بيعه فللممتنع من البيع الخيار إن شاء أمضى وأخذ حصته من الثمن وإن شاء ضم، وإذا ضم فله أن يبيعه أو ما شاء منه عقب ذلك بالفور، بخلاف الشفعة فليس له البيع عقب الأخذ بها على أحد قولين تقدما هناك. والفرق أنه هنا مجبور فإن كان المصفق عليه غائباً رفع المشتري أمره للحاكم فيمضي عليه البيع أو يضم له، وحيث أمضاه مضى ولو كان له مال وإلاَّ أخذ نظر أو مصلحة.
تنبيه:
قولهم: لا يشترط إلا اتحاد المدخل إلخ. يقتضي أن عدم تبعيض الحصة وهو الشرط السابع لا يشترط، وأن من باع بعض حصته فله أن يصفق بالباقي، وليس كذلك. وعليه فحقهم أن يقولوا: لا يشترط إلا اتحاد المدخل وعدم التبعيض، وأيضاً فإن الشرط الأول لا وجه لإلغائه لأن الضرر يرتفع بالقسمة، والفرض أن المشترك يقبلها، وربما كان الممتنع من البيع لا يقدر على أداء ثمن حصة شريكه لارتفاعه فيؤدي إلى تفويت حصته عليه لينتفع شريكه بزيادة الثمن في حصته، فهم قد راعوا حق مريد البيع وأخلوا بحق المبيع عليه، إذ لا يضر بأحد لينتفع غيره ولا يرفع ضرر بضرر لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار). فالواجب في هذا هو التمسك بالمشهور، وكذا يقال في الشرط الخامس؛ وهو أن لا يلتزم الممتنع أداء النقص الحاصل لشريكه إلخ. لا وجه لإلغائه أيضاً لأن إلغاءه يوجب لحوق الضرر لكاره البيع إذ قد لا تكون له قدرة على أداء ثمن حصة الشريك، وله قدرة على جبر النقص الحاصل بالانفراد، فإذا ألزمناه أخذ الجميع مع عدم القدر عليه لزم جبره على البيع من غير ضرر يلحق البائع لأن ضرره قد ارتفع بالتزام النقص، وكذا يقال: إذا لم ينقص ثمن الحصة عن ثمن الجملة فهذه الشروط الأربع يجب على من راقب الله اعتبارها كاتحاد المدخل، وقديماً كنت متأملاً في ذلك فلم يظهر لي وجه إلغائها بل هو مخالف للكتاب والسنة والله أعلم.
وَكلُّ ما قِسْمَتُهُ تَعْذَّرُ ** تُمْنَعُ كالتي بِهَا تَضَرُّرُ

(وكل ما قسمته تعذر) بفتح التاء وحذف إحدى التاءين أي تتعذر لقول ابن مالك:
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر ** فيه على تا كتبين العبر

(تمنع) بضم التاء (ك) القسمة (التي بها تضرر) كياقوتة أو كخفين، وإذا منعت قسمته فإما أن يتفقا على الانتفاع به مشتركاً وإما أن يباع عليهما حيث طلب أحدهما ذلك واتحد مدخلهما، فإن لم يتحد باع حصته مفردة كما مر، ثم إذا قلنا من دعا لبيع ما لا ينقسم فإنه يجاب إلى ذلك حيث اتحد المدخل على ما مر، فإذا باع الشريك الجميع من غير رفع للحاكم مضى بيعه على ما به العمل كما في اللامية وغيرها. وكان لصاحبه الخيار في الضم وعدمه، وإن وقع ورفع الأمر للحاكم فإنه ينظر فإن اتحد المدخل أمره ببيع الجميع ويثبت الخيار أيضاً، وإن لم يتحد أمره بتسويق حصته مفردة ثم لصاحبه الشفعة إذا كان عقاراً على المعمول به من أن الشفعة جارية حتى فيما لا ينقسم منه كما مر، وأما على مقابله فهو كالعروض، وحكمها أنه يحكم عليه ببيع حصته مفردة أيضاً لعدم اتحاد المدخل كما هو الموضوع، فإذا وقفت على ثمن كان لشريكه أخذه بذلك الثمن رفعاً لضرره، فإن لم يعلم الشريك حتى انعقد البيع فلا شفعة ولا ضم، وقد فات ذلك عليه وهو قول ابن عرفة: كل مشترك لا شفعة فيه فباع بعض الشركاء نصيبه منه فلمن بقي أخذه بالثمن الذي يعطى فيه ما لم ينفذ البيع. اهـ. وانظر ما تقدم عند قول الناظم في الشفعة: وجملة العروض في المشهور إلخ. قال في شرح العمليات: إذا وقف المبيع من عروض أو حيوان على ثمن فيقال للشريك: أنت أحق به فلا يشترى حتى تسلم فيه فإن أخذه بما بلغ منع منه غيره إلخ. هذا كله إذا طلب أحدهم البيع وأبى غيره، ولم يسأل طالب البيع من القاضي فيما إذا اتحد المدخل أن ينادي له على الجميع بل رضي أن يتولى بيع الجملة بنفسه، وأما إن طلب مريد البيع منه المناداة على الجميع أو طلب جميع الشركاء البيع ولا ينظر في هذه لاتحاد المدخل ولا لعدمه فإنه يجيبهم إلى ما طلبوا في الصورتين.
ويَحْكُمُ القَاضِي بِتَسْوِيقٍ وَمَنْ ** يُرِيدُ أَخْذَهُ يَزِيدُ في الثَّمَنْ

(ويحكم القاضي) حينئذ (بتسويق) جميع المبيع (ومن يريد أخذه) منهم بما وقف عليه ل يمكن منه إلا أن (يزيد في الثمن) فإن سلمه له صاحبه فذاك وإلا تزايدا حتى يقف على أحدهما فيأخذه بما وقف به عليه.
وَإنْ أَبَوْا قَوَّمَهُ أَهْلُ البَصَرْ ** وآخِذٌ لَهُ يُقَضِّي مَنْ يَذَرْ

(وإن أبوا) التسويق لكساد سوقه مثلاً (قومه أهل البصر) فإذا سلم أحدهما لصاحبه بذلك التقويم فذاك وإلا تزايدا (وآخذ له) بما وقف به عليه.
(يقضي) بفتح القاف أي: يؤدى الثمن (من يذر) أي لمن يترك أخذه والزيادة فيه ويريد بيعه لصاحبه بما وقف عليه.
وَإن أبَوْا بِيعَ عَلَيْهِمْ بالْقَضَا ** واقَتْسَمُوا الثَّمَنَ كَرْهاً أوْ رِضَا

(وإن أبوا) أي امتنعوا كلهم من أخذه بما قومه أهل البصر أو بما وقف عليه في التسويق (بيع عليهم بالقضا واقتسموا الثمن كرهاً أو رضاً) وما قررنا به النظم هو المتعين الموافق لما به العمل، والمشهور من اتحاد المدخل الذي درج عليه (خ) في قوله: أو اشترى بعضاً. وما نقلوه هنا عن المتيطي والمدونة وغيرهما مما ظاهره أنه يحكم بتسويق ما لا ينقسم من عقار وغيره، سواء اتحد المدخل أم لا. ومن يريد أخذه يزيد في الثمن مخالف لما تقدم، اللهم إلا أن يحمل ذلك على ما إذا اتحد مدخله وطلب مريد البيع من القاضي أن ينادي له على الجميع أو توافق الجميع على البيع كما قررنا، لكن يقال: إذا اتحد المدخل فلا يحتاج الممتنع من البيع إلى المزايدة، لأن الخيار له في الضم وعدمه ولو أمضى البيع، وإنما يحتاج إلى المزايدة إذا طلب الجميع المبيع كما هو ظاهره والله أعلم.
وأما إذا لم يتحد المدخل فإنه يحكم عليه ببيع حصته مفردة كما مر، فقول المتيطية: وإن كان مما لا ينقسم بيع عليهم إلخ. يعني حيث اتحد المدخل أو توافق الجميع على البيع وطلبوا منه البيع عليهم كما قررنا قال: إلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يعطى فيه فهو أحق، فإن اختلفوا في أخذه بعد بلوغه في النداء ثمناً تزايدوا فإن قال بعضهم: ابتداء نتزايد، وقال بعضهم: يقومه أهل المعرفة، فالقول لمن دعا للمزايدة، فإن طلب أحدهم المزايدة والآخر البيع نودي عليه فإذا وقف على ثمن كان لصاحب المزايدة أخذه بذلك إلا أن يزيد عليه الآخر فليتزايد إلخ.
قلت: وهذا الذي في المتيطية أحد أقوال ثلاثة، وانظر شارح العمليات عند قولها صدر البيوع.
ولشريك المبيع بثمن ** بلغ دون الغير يرضى حيث عن

وعند قولها بعد ذلك:
وليس يجبر على المقاومه ** وحظ ما لا يقبل المقاسمه

فإنه قال: كون الشريك يأخذ نصيب شريكه بالثمن الذي أعطى فيه واضح فيما بيع مبعضاً، وأما ما بيع صفقة فكذلك إن كان الآخذ غير مريد البيع، وأما مريده ففي أخذه نصيب شريكه المجبور على البيع صفقة بالثمن الذي بلغ ومنعه إلا بزيادة، ثالثها إن لم يكن قصده إخراج الشريك والاستبداد بالشيء المشترك فله وإلاَّ فلا حتى يزيده. اهـ. يعني: وإذا زاد فلصاحبه الزيادة أيضاً، ويتزايدان حتى يقف على أحدهما. وذكر في ضيح أن العمل على أنه لا يمكن من أخذه حتى يزيد كان هو طالب البيع أو غيره، وفي الدر النثير: إن العمل على القول الثالث، وفي ابن ناجي: إن العمل عندهم على أن مريد البيع لا يأخذه إلا بزيادة بخلاف غيره فيأخذه بدونها.
تنبيه:
وحيث حكم لمريد البيع بالتمكن منه وطلب إخلاء الدار للتسويق، فإنه يجاب إلى ذلك بخلاف الحوانيت وشبهها فإنها لا تخلى. انظر حاشيتنا على اللامية.
والرَّدُّ لِلْقِسْمَةِ حَيْثُ يُسْتَحَقْ ** مَنْ حِصَّةٍ غَيْرُ يَسِيرٍ مُسْتَحَقْ

(والرد للقسمة) مبتدأ (حيث يستحق) أي يؤخذ بالاستحقاق (من حصة) بيد أحد الشريكين أو الشركاء شيء (غير يسير مستحق) خبر المبتدأ أي ثابت، وحاصل للمستحق منه. وظاهره كان المستحق جزءاً معيناً أو شائعاً في حصة أحدهما أو في بعضها، وشمل غير اليسير ما زاد على النصف والنصف والثلث، والحكم في ذلك مختلف على المشهور، فإن كان المستحق زاد على النصف فيتعين النقض جبراً عليهما، وإن كان النصف أو الثلث فلا يتعين النقض، بل إن شاء أبقى القسمة على حالها ولا يرجع على شريكه بشيء، وإن شاء رجع شريكاً بقدر نصف ذلك مما في يد صاحبه، ومفهوم قوله: غير يسير إنه إذا استحق اليسير كالربع فدون أنه لا رد له، وإنما يرجع على شريكه بقيمة نصف ما قابل الجزء المستحق ثمناً، وهذا هو معنى التخيير في قول (خ): وإن استحق نصف أو ثلث خير لا ربع إلخ. كما قاله طفي وغيره، وهو معنى قول ابن شاس: وإن استحق بعض معين وكان كثيراً كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك مما في يد صاحبه يكون به شريكاً. يعني: وله أن لا يرجع بشيء ويترك القسمة على حالها. قال: وإن كان تافهاً يسيراً رجع بنصف قيمة ذلك دراهم، ولا يكون شريكاً لصاحبه هذا قول مالك. اهـ. ومثله قول المدونة: نظر أبداً إلى ما استحق فإن كان كثيراً كان له أن لا يرجع بقدر نصف ذلك فيما بيد صاحبه شريكاً فيه إن لم يفت، وفي اليسير يرجع فيه بنصف قيمة ذلك ثمناً. اهـ. أبو الحسن: مراده بالكثير النصف لأنه يقال فيه كثير وليس بأكثر والثلث كالنصف، والعيب يطرأ كالاستحقاق. ابن يونس عن بعض أهل القرويين: الذي يتحصل عندي في طرو العيب والاستحقاق بعد القسم أن ينظر، فإن كان ذلك كالربع فأقل رجع بحصة ذلك ثمناً، وإن كان نحو النصف أو الثلث فيكون بحصة ذلك شريكاً فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم، وإن كان فوق النصف انتقص القسم وابتدأه، وبالجملة فمالك وابن القاسم اتفقا على نقض القسمة وجوباً في استحقاق الأكثر أو عيبه كالثلثين فأكثر، وعلى عدم نقضها في الأقل كالربع فدون، وإن اختلفا في النصف والثلث فابن القاسم حكم لهما بحكم الأقل وأنه لا يرجع بذلك شريكاً وهو تأويل فضل على المدونة ومالك جعل له الخيار في أن يرجع شريكاً أو يتمسك بما بقي ولا شيء له وهو المعتمد. وهذا كله إن لم يفت ما بيد شريكه فإن فات ببيع أو هدم أو نحوهما من حوالة الأسواق في غير الأصول فإنه يرجع بنصف قيمة مقابل ما استحق من غير فرق بين الأكثر والأقل، فقول الناظم: غير يسير شامل للنصف وما فوقه فيقتضي أن الرد مستحق ثابت فيهما وهو كذلك إلا أنه فيما فوق النصف يتعين الرد وجوباً إذ لا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره في البيع والقسمة لها حكمه فيه، وإن كانت بالقرعة وفي النصف والثلث إن شاء رد وإن شاء تمسك ولا شيء له كما مر، ومفهوم قوله: من حصة أنه إذا استحق جزء شائع من جميع الحصص لا رجوع لأحدهما على الآخر وهو كذلك لأنه قد استحق من كل مثل ما استحق من الآخر، وإنما الكلام للمستحق إن شاء أبقى حظه شائعاً مع جميعهم، وإن شاء نقض القسمة وابتدأها لما عليه من الضرر في تفريق حقه، وإن استحق نصيب أحدهما بكماله رجع فيما بيد صاحبه شريكاً كأن المالك لم يخلف غيره.
تنبيه:
ما زاد على الربع ولم يبلغ الثلث قال الشيخ الرهوني في حاشيته: الذي يفيده النقل أن ما زاد على الربع وقرب من الثلث يعطى حكم الثلث، واستدل لذلك بأنقال فانظرها فيه.
وَالْغَبْنُ مَنْ يَقُومُ فِيهِ بَعْدَا ** أَنْ طَالَ وَاسْتَغَلّ قَدْ تَعَدَّى

(والغبن) الذي اطلع عليه أحد المتقاسمين بعد القسمة بالقرعة أو بالمراضاة مع التعديل، وكذا بغير تعديل على ما مر للناظم في فصله من القيام به في البيع على ما به العمل (من يقوم) به منهما يخاصم (فيه) ويطلب نقض القسمة بسببه (بعد أن طال) عاماً فأكثر (و) سواء (استقل) الحظ المقسوم في ذلك العام أم لا. (قد تعدى) في القيام به وطلب نقضها بسببه فلا يسمع منه ذلك ولا تقبل له دعوى، وكان حقه أن يقدم هذا البيت عند قوله: ومدعي الغبن سمع إلخ. أو عند قوله: وقائم بالغبن فيها يعذر فانظر ذلك هناك. (و) إذا اختلفا الشركاء فادعى بعضهم قسمة البت وادعى الآخر قسمة المنفعة والاستغلال فالقول لمدعي الاستغلال.
وَالمُدَّعِي لِقِسْمَةِ البَتَاتِ ** يُؤْمَرُ في الأَصَحِّ بالإثْبَاتِ

و(المدعي لقسمة البتات يؤمر في) القول (الأصح) المعمول به (بالإثبات) لما ادعاه من البتات فإن أثبته وإلاَّ فلا شيء له إلا اليمين على مدعي الاستغلال. قال في المفيد: وهو الصواب وبه العمل، وإلى تصويبه أشار الناظم بالأصح، وهذا إذا لم تمض مدة الحيازة على التفصيل الذي يأتي في حيازة الشريك قريب أو أجنبي، وإلاَّ فالقول حينئذ لمدعي قسمة البت قاله أبو الحسن، وذلك لأنه إذا مضت مدة الحيازة صار بمثابة من حاز شيئاً مدة الحيازة المعتبرة وقال: اشتريته من القائم فإنه يصدق ولا يكلف بإثباته كما يأتي للناظم في فصل الحوز حيث قال: واليمين له. حيث ادعى الشراء منه معمله إلخ. وقد علمت أن القسمة بيع ومقابل الأصح لابن الحاج والمشاور أن القول لمدعي البت قالا: لأنهما بمنزلة اختلافهما في البيع على البت أو الخيار، والقول لمدعي البت فيه لا لمدعي الخيار، وهذا كله إذا اتفقا على القسم واختلفا في وجهه، وأما إن اختلفا في أصل القسم فادعاه أحدهما ونفاه الآخر، وقال: إنما اقتطع كل واحد منا أرضاً يعمرها من غير قسم، فإن القول لمنكر القسم كما في ابن سلمون، وظاهره اتفاقاً وهو ظاهر لأن ذلك كاختلافهما في وقوع عقد البيع، وقد قالوا: إن القول لمنكره اتفاقاً بل إجماعاً، وهذا ما لم تمض مدة الحيازة أيضاً وإلاَّ فالقول لمدعي البت كما مر.
وَلاَ يَجُوزُ قَسْمُ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرْ ** مَعَ الأصُولِ وَالتَّنَاهِي يُنْتَظَرْ

(ولا يجوز) بالقرعة أو المراضاة (قسم زرع أو ثمر) بعد أبارهما وقبل بدو صلاحهما وانتهاء طيبهما أو بعد ذلك (مع الأصول) التي هي الأرض والشجر (ح): مشبهاً في الممنوع كقسمه بأصله، ومحل المنع فيما قبل بدو الصلاح إذا دخلا على السكت أو شرط أن تبقى الثمرة والزرع في الشجر والأرض إلى الجذاذ والحصاد لما يؤول إليه من بيع طعام وعرض بطعام وعرض، فإن دخلا على شرط قطع الزرع والثمار الآن جاز حيث بلغ حد الانتفاع به لأنه بيع له على القطع فلا تأتي العلة المذكورة. قال في المدونة: وإذا ورث قوم شجراً أو نخلاً وفيها ثمر فلا يقتسموا الثمر مع الأصل، وإن كان الثمر بلحاً أو طعاماً ولا يقسم الزرع مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والأصول وحدها وتترك الثمرة والزرع حتى يحل بيعهما فيقسموا ذلك حينئذ كيلاً أو يباع ويقسم ثمنه. أبو الحسن: ويدخل في قسم الزرع مع الأرض طعام وعرض بطعام وعرض. اهـ. وإلى قولها: ولكن تقسم الأرض والأصول وتترك الثمرة أشار الناظم بقوله:
(والتناهي ينتظر) فالجملة من المبتدأ والخبر استئنافية أي: ولكن تقسم الأرض والشجر وحدهما وينتظر بالزرع والثمرة تناهي الطيب أو بدو الصلاح وتقسم كيلاً أو تباع، ويحتمل أن تكون الجملة حالية قيداً فيما قبلها أي: لا يجوز قسم زرع أو ثمر مع الأصول في حال انتظار تناهي الطيب، أما في حال عدم انتظاره بل دخلا على قطعه فيجوز كما مر. وهذا الاحتمال هو المتعين فيما يظهر وإلاَّ تكرر هذا مع قوله بعد: ومع مأبور ويصح القسم في إلخ. وقولي: بعد أبارهما احترازاً مما إذا كان قبل الأبار فإنه يمنع مطلقاً كما قال:
وَحَيْثُما الإبَّارُ فِيهِمَا عُدِمْ ** فَالمَنْعُ مِنْ قِسْمَةِ الأصْلِ مُنْحَتِمْ

(وحيثما الإبار فيهما) أي في الزرع والثمر (عدم فالمنع من قسمة الأصل منحتم) لا وحده ولا مع ثمره وزرعه لأن قسمة الأصول وحدها فيه استثناء ثمر وزرع لم يؤبرا، والمشهور منعه لأنه كاستثناء الجنين في بطن أمه وقسمها بثمرها فيه طعام وعرض بطعام وعرض، وإنما جعل الثمر الذي لم يؤبر طعاماً لأنه يؤول إليه وسواء اشترطا استثناءه أو سكتا للعلة المذكورة بخلافه في البيع، فإنه يجوز للمشتري اشتراط غير المأبور، بل هو له بنفس العقد مع السكت عنه لانتفاء طعام وعرض بطعام وعرض كما تقدم للناظم في بيع الأصول حيث قال:
وغير ما أبر للمبتاع ** بنفس عقده بلا نزاع

إلخ.
وَمَعَ مَأْبُورٍ يَصِحُّ القَسْمُ في ** أُصُولِهِ لاَ فِيهِ مَعْهَا فَاعْرِفِ

(ومع مأبور) متعلق بقوله: (يصح القسم في أصوله) وحدها وتترك الثمرة والزرع إلى تناهي الطيب أو بدو الصلاح وتقسم كيلاً أو تباع (لا) يصح القسم (فيه) أي المأبور (معها) أي الأصول (فاعرف) وهذا الشطر تكرار مع قوله: ولا يجوز قسم زرع أو ثمر مع الأصول على الاحتمال الثاني هناك، وأما على الاحتمال الأول فالبيت كله تكرار، فافهم فلو حذفه ما ضر، وهذا كله في قسمة الأصول وحدها أو مع الثمار، وأما قسمة الثمار وحدها على رؤوس الأشجار فأشار له بقوله:
وَقَسْمُ غَيْرِ التَّمْرِ خَرْصاً وَالْعِنَبْ ** مِمَّا عَلَى الأشْجَارِ مَنْعُهُ وَجَبْ

(وقسم غير التمر خرصاً) بفتح الخاء أي حزراً جزافاً وتحرياً مصدر خرص من باب قتل والاسم بالكسر (والعنب) معطوف على تمر (مما) أي من الثمار التي (على الأشجار) من زيتون وفول أخضر وجوز وفستق وتين وزرع في الفدادين أو قثاء وغير ذلك (منه وجب) لأن القسم بيع، والشك في التماثل كتحقق التفاضل، وظاهره بدا صلاحه أم لا. دخلا على قطعه في الحين أم لا. وليس كذلك بل إذا لم يبد صلاحه ودخلا على قطعة جاز قسمه تحرياً كما مر (خ): وثمر أو زرع إن لم يجذاه إلخ. ومفهوم غير التمر والعنب أن التمر والعنب يجوز قسمهما في رؤوس أشجارهما خرصاً، لكن إذا قلا وحل بيعهما واختلفت حاجة أهلهما وإن بكثرة أكل واتحد المقسوم من بسر أو رطب وقسم بالقرعة لا بالمراضاة كما في (خ): عبد الحق: الفرق بين سائر الثمار والنخل والعنب في القسم بالخرص أن ثمرة النخل والعنب متميزة عن الشجر وورقه، وليس كذلك سائر الثمار لأنها مختلطة بالورق ولا تتميز. اهـ. وهذا هو المشهور، وقال أشهب، عن مالك في العتبية: لا بأس بقسم جميع الثمار بالخرص من نخل وعنب وتين وغير ذلك كانت مدخرة أم لا. إن وجد من يحسن الخرص وحل بيعه إلى آخر الشروط، وقال ابن حبيب: يجوز ذلك في المدخر دون غيره فهي ثلاثة أقوال. واعلم أن الطارئ على القسمة المقتضي لنقضها على ما في النظم خمسة. استحقاق وقد تقدم في كلامه، وعيب وحكمه حكمه كما مرت الإشارة إليه، ووارث أو دين أو وصية وإليها أشار بقوله:
وَيَنْقُضُ الْقَسْمُ لِوَارِثٍ ظَهَرْ ** أَوْ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيما اشْتَهَرْ

(وينقض القسم لوارث ظهر) كثلاثة عصبة اقتسموا التركة، ثم طرأ رابع فتنقض القسمة لأجله إذا كان المقسوم مقوماً كدار وحيوان ونحوهما فإن كان عيناً أو مثلياً رجع الطارئ على كل واحد بما أخذه زائداً على حقه، ولا تنقض القسمة ولا يأخذ ملياً عن معدم ولا حاضراً عن غائب أو ميت، وسواء علم المطرو عليه بالطارئ أم لا على مذهب المدونة خلافاً لابن الحاجب. (أو دين) ظهر بعد قسم الورثة التركة كانت فيها وصية أم لا. فإن القسمة تنقض، وظاهره كان المقسوم مقوماً كدار أو مثلياً وهو كذلك، فيكون ما هلك أو نما من جميعهم، وفائدة نقضها في المثلى كون الضمان من جميعهم إذا تلف بسماوي، ولو كانت صحيحة فيه ما كان الضمان منهم جميعاً، ولذا لا نقض في المثلى إن كان قائماً إذ لا فائدة له كما لابن رشد فغير المثلى ينقض مطلقاً والمثلى إنما ينقض مع الهلاك فقط، وما في (خ) من أنها لا تنقض في المثلى خلاف المشهور المنصوص عليه لابن القاسم كما في البيان قاله طفي وغيره. وإذا انتقض القسم على ما هو المشهور فيأخذ المليء عن المعدم والحاضر عن الغائب والميت ما لم يجاوز ما قبضه، وسواء علموا بالدين أم لا. قال في المدونة: وإذا طرأ الغريم على الورثة، وقد أتلف بعضهم حظه وبقي في يد بعضهم حظه فلربه أخذ دينه مما بيده. اهـ.
تنبيهان:
الأول: قال في المقدمات: لا خلاف بين جميعهم أن الورثة لا يضمنون للغرماء ما تلف بعد القسمة بأمر من السماء ويضمنون ما أكلوه واستهلكوه. قال: وما ادعوا تلفه من الحيوانات التي لا يغاب عليها صدقوا في ذلك مع أيمانهم بخلاف العروض التي يغاب عليها فلا يصدقون إلا ببينة. اهـ. ويفهم منه أنهم قبل القسمة مصدقون مطلقاً ولو فيما يغاب عليه لأنهم لم يحوزوا لأنفسهم شيئاً.
الثاني: إذا باع الورثة التركة بعد القسمة أو قبله فبيعهم ماض لا ينقض كان فيه محاباة أم لا. وإنما اختلف هل يرجع الغريم بالمحاباة على الواهب الذي هو البائع أو على الموهوب له وهو المشتري؟ وكذا يمضي ما اشتراه الورثة من التركة فحوسبوا به في ميراثهم، ولو كانت السلعة قائمة بيد المشتري أو كان الورثة معدمين بالثمن فلا مطالبة على المشتري في ذلك كله، لكن محل إمضاء بيعهم إذا لم يعلم الورثة بالدين حين القسم، أو جهلوا أن الدين قبل القسم كما فرضه في المدونة، أما مع علمهم بتقديم الدين فباعوا فللغرماء نقض البيع وانتزاع المبيع ممن هو في يده قاله في كتاب المديان من المدونة انظر طفي. 5 (أو وصية) ظهرت بعد قسم الورثة، فإن القسمة تنقض (فيما اشتهر). وظاهره كانت الوصية بعدد أو بالثلث، أما الوصية بالعدد فهي كالدين فينقض القسم لأجلها كان المقسوم مقوماً أو مثلياً، ويكون ما هلك أو نما من جميعهم كما مر، وأما الوصية بالثلث فإنما ينقض القسم لها إذا كان المقسوم مقوماً كما مر في طرو الوارث على مثله، ثم محل نقض القسمة في الدين والوصية بعدد إذا لم يلتزم الورثة بأداء الدين وإلاَّ فلا نقض كما قال:
إلا إذَا مَا الوارِثُونَ بَاؤُوا ** بِحَمْلِ دَيْنٍ فَلَهُمْ ما شاؤوا

(إلا إذا ما) زائدة (الوارثون باؤوا) رجعوا كلهم (بحمل دين) وأدائه لربهم (فلهم ما شاؤوا) من إمضاء القسمة وإبقائها على حالها إذ لا حق لرب الدين في عين التركة، وكذلك إذا تطوع أحدهم بدفع جميع الدين من عنده لاغتباطه بحقه، فذلك له وتبقى القسمة على حالها أيضاً، وأما إذا أراد أحدهم أن يدفع ما ينوبه من الدين ويتمسك بحظه فليس له ذلك إلا أن يرضى بذلك غيره. انظر شرح الشامل فيما إذا ثبت الدين بشهادة أحد الورثة. وأصل باء رجع متحملاً، ومنه قوله تعالى: {أن تبوء بإثمي} (المائدة: 29) أي ترجع متحملاً بإثمي، وبقي على الناظم طرو الغريم على مثله، أو طرو الموصى له على مثله، أو طرو موصى له بجزء على وارث، أو طرو الغريم على الغرماء والورثة، أو طرو الموصى له بجزء على الموصى له بجزء وعلى الورثة، أو طرو الغريم على الورثة وعلى الموصى لهم بأقل من الثلث، فهذه ستة أشار (خ) إلى الثلاثة الأول بقوله: وإن طرأ غريم أو موصى له على مثله أو موصى له بجزء على وارث اتبع كل بحصته أي: ولا تنقض القسمة، وهذا إذا كان المقسوم مثلياً وإلا نقضت كما مرّ في طرو الوارث على مثله. وانظر حكم الثلاثة الباقية في (ح) والشامل.
وَالْحَلْيُ لاَ يُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِهِ ** إلا بِوَزْنٍ أَوْ بِأَخْذِ كلِّهِ

(والحلى) المشترك (لا يقسم بين أهله إلا) على أحد وجهين (بوزن) معتدل حيث أمكن فيه ذلك لتعدده مثلاً (أو بأخذ كله) ويأخذ الوارث الآخر عيناً من نوعه بالوزن فتكون مراطلة أو عيناً من غير نوعه على حكم الصرف كما مرّ في بيع النقدين أو عقاراً أو عرضاً لا عرضاً وعيناً من نوعه لما فيه من بيع عين وهو الحلى بعين وعرض وهو ممنوع كما أفاده (خ) بقوله: كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما إلخ. وكذا عرض وعين من غير نوعه إلا أن يكون الجميع قدر دينار أو يجتمعان فيه.
وأجْرُ منْ يَقْسِمُ أَوْ يُعَدِّلُ ** عَلَى الرُّؤُوسِ وَعليْهِ العمَلُ

(وأجر من يقسم) أو غيرها (أو يعدل) أي يقوم المقسوم من أصول وغيرها، وظاهره أن المعدل غير القاسم وليس كذلك، بل الظاهر كما في (ح) أن القاسم هنا هو الذي يقوم المقسوم ويعد له. اهـ. واعتراض طفي وابن رحال لا ينهض لمن تأمل وأنصف، بل قال الشيخ الرهوني ما استظهره (ح): يجب الجزم به وما في (ق) عن ابن عبدوس عند قوله: إلا كحائط فيه شجر إلخ. صريح في أن القاسم هو المقوم. (على الرؤوس). ولو اختلفت الانصباء كنصف وثلث وسدس (خ): وأجره بالعدد أي الرؤوس لأن تعب القاسم في تمييز النصيب القليل كتعبه في تمييز الكثير أو أكثر. قال المتيطي: وبهذا القضاء، وتبعه الناظم فقال: (وعليه العمل) وقيل إنها على قدر الانصباء كالشفعة. قال الباجي في وثائقه: وبه العمل فهما قولان عمل بكل منهما.
كَذلِكَ الكَاتِبُ لِلْوَثِيقَهْ ** لِلْقَاسِمِينَ مُقْتَفٍ طرِيقَهْ

(كذلك الكاتب للوثيقه للقاسمين مقتف طريقه) بالتاء المبدلة هاء للوقف، وللقاسمين نعت له تقدم عليه فيعرب حالاً، ومقتف خبر عن الكاتب أي كاتب الوثيقة مقتف طريقة ثابتة للقاسمين حال كونه كائناً كذلك في كون الأجرة على الرؤوس على المعمول به.
قلت: وحاسب الفريضة أي ضاربها ككاتب وثيقة القسمة، ولكن العمل اليوم في ذلك كله على ما للباجي لا على ما للناظم، وللمسألة نظائر كنس المرحاض فإنه على الرؤوس وسكنى الحاضنة مع محضونها، وكذا صيد الكلاب فلا ينظر لكثرة الكلاب، وإنما ينظر إلى رؤوس الصيادين، وكذا حارس البساتين وأعدال المتاع وبيوت الطعام على ما قاله البرزلي وغيره ولكن العمل عندنا في الحارس وكنس المرحاض على أنه على قدر الأنصباء كالشفعة والفطرة على العبد المشترك ونفقة الوالدين، فإنها على قدر اليسار وأجرة الدلالين ونفقة عامل القراض على قدر المالين، وما طرحه أهل السفينة خوف الغرق على قدر الأموال والساعي يتعدى على الشاة فتؤخذ من البعض، فهي على قدر الغنم وجناية معتق رجلين على عاقلتيهما بقدر حظيهما والوصية بمجهول (خ) في الوصية وضرب لمجهول فأكثر بالثلث، وهل يقسم على الحصص؟ قولان. هذا هو الذي يعتمد في هذه المسائل كما هو ظاهر، وإن كان فيه بعض مخالفة لما قاله طفي وغيره في فصل كاة الفطر.
وَأُجْرَةُ الكيَّالِ في التَّكْسِيرِ ** مِنْ بَائِعٍ تُؤْخَذُ في المَشْهُورِ

(وأجرة الكيال في التكسير) أي في كيل الأرض إذا بيعت على الكيل (من بائع تؤخذ) تلك الأجرة (في المشهور.
كَذَاكَ في الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ ** الْحَكْمُ ذَا مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ

كذاك في الموزون والمكيل) من الطعام أو غيره إذا بيع على الكيل أو الوزن فأجرة ذلك على البائع لقوله تعالى: {وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل} (يوسف: 88) والمخاطب بذلك هو يوسف عليه السلام، إذ هو كان البائع للطعام من إخوته (الحكم ذا من غير ما تفصيل) وهذا إذا لم يجر العرف بأن الأجرة في الكيل والوزن على المشتري وإلا فيحكم بها عليه كما عليه العمل اليوم لأن العرف كالشرط.